سُنَّة الله

 

هل يقول لك البعض إنك لا تستطيع الاكتفاء بالقرآن وحده؟

 

كم مرة قيل لك إن القرآن وحده لا يكفي؟ وإنه لا بد من اتباع سُنَّة النبي محمد  لتكون مسلمًا حقًا؟

 

هذا الاعتقاد منتشر  بين المسلمين، لكن القرآن يصرّح بأنه كتاب مفصَّل:

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 6:114

 

وأنه تبيانٌ لكل شيء:

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ 16:89

 

وأنه أُكمِل وأُتِم:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 5:3

 

إذا كان هذا ما يقوله الله عن كتابه، فمن أين جاءت فكرة الحاجة إلى مصدر آخر؟

 

في هذا المقال، نستعرض مفهوم السُنّة من منظور قرآني خالص، لنكشف المغالطات ونواجه التصورات التقليدية بأدلة صريحة من كتاب الله.

 

 

 

 

ما معنى "السُنّة"؟

 

كلمة سُنّة مأخوذة من الجذر العربي س ن ن، وتدل في اللغة على "الطريق الواضح" أو "النهج المتّبع".

وبحسب معاجم اللغة، فالسُنّة هي أسلوب في السلوك أو نمط في الحياة.

 

كم مرة وردت كلمة "سُنَّة" في القرآن؟

 

وردت كلمة السُّنَّة في القرآن الكريم  11. مرة، ولم تُستخدم في أي منها للإشارة إلى العادات الشخصية للنبي أو أسلوب حياته، بل جاءت  لتعني سُنّة الله في التعامل مع خلقه — كقيام وسقوط الأمم، ومصير المكذّبين، ونُصرة المرسلين.

 

ومن أبرز هذه الآيات:

 

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا 33:62

 

 

تُظهر هذه الآية أن سُنّة الله ثابتة لا تتبدّل.

 

فإذا كانت سُنّة الله كاملة ولا تتغير، فهل نحتاج إلى "سُنّة" أخرى منسوبة إلى محمد؟

هل طريقة الله غير كافية؟

 

 

الآية التي تُفهم خطأ: «خذوا ما آتاكم الرسول

 

هل سمعت أحدهم يقول:

 

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 59:7

 

كبرهان على ضرورة اتباع سنة النبي؟
لكن هل هذه هي الآية كاملة؟ أم هل يُقتطع جزء منها ليُفسر بما لا تعنيه؟

الله يحذرنا:

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 3:78

 

وهذا ما يحدث عند اقتباس نصف الآية فقط لتثبيت فكرة لا أصل لها في القرآن.

 

الآية كاملة تقول:

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 59:7

 

في سياقها، الآية تتحدث عن توزيع المال وكيفية التعامل معها، وتحدد من هم المستحقون لها. الأمر بـ «خذوا ما آتاكم الرسول» خاص بهذا الأمر، وليس حكمًا عامًا على اتباع كل شيء يقوله الرسول في كل شؤون الحياة.

طاعة الله والرسول

"يجب أن نُطيع الرسول!"

 

هذه من أكثر العبارات التي يرددها الناس عندما يُقال إن القرآن وحده لا يكفي للهداية.

لكن هل تساءلنا يومًا:

 

من هو "الرسول" المقصود هنا؟ هل هو النبي محمد كشخص، أم المقصود هو رسالته ومهمته؟ وما الذي أُمرنا بطاعته تحديدًا؟

 

١. لا نجد في القرآن "أطيعوا محمدًا" – بل دائمًا "أطيعوا الرسول"

لم يرد في القرآن أمر بطاعة محمد بشخصه، بل نجد دائمًا:

"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...”

 

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 3:132

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا 4:59

 

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ 24:52

 

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 64:12

 

 

لماذا؟ لأن "الرسول" هو صفة أو دور،  الشخص الذي يبلّغ رسالة.

فالطاعة ليست لشخصه، بل للرسالة التي أُرسل بها من عند الله

 

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا 4:80

 

٢. مهمة الرسول واضحة – التبليغ، لا التشريع

 

القرآن يكرر نقطة بسيطة وواضحة باستمرار:

 

 

مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ 5:99

 

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 24:54

 

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ 42:48

 

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 16:35

 

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 29:18

 

قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ 6:50

 

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ 46:9

 

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُلْ لَا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 6:19

 

لم يأتِ في القرآن ما يدل على أن للرسول صلاحية يتصرف بها من تلقاء نفسه خارج عن القرآن.

مهمته كانت تبليغ ما أوحاه الله إليه، لا أن يُشرّع من عنده.

 

 

٣. الرسل الآخرون أمروا بنفس الطاعة

 

 القرآن يوضح باستمرار أنه عندما يقول الرسل "أطيعوني"، لا يعني ذلك الطاعة لشخصهم كأفراد، بل لطبيعة رسالتهم ودورهم المكلفين به.

 

لننظر إلى صيغة متكررة تظهر مع عدة رسل في سورة الشعراء . لاحظ التركيب الواضح في كل حالة:

 

نوح: "إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله واطيعوني" 26:107- 

 

هود: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فاتقوا الله واطيعوني"  26:125-

 

صالح: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فاتقوا الله واطيعوني" 26:143-

 

شعيب: "إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله واطيعوني"(26:178)

 

 

هل لاحظت النمط؟

 

في كل مرة، تأتي كلمة "أطيعوني" بعد إعلان واضح:

 

"أنا رسول."

 

هذا ليس صدفة، فالقرآن يؤكد أن الطاعة مرتبطة بوصفهم رسلًا، لا كأشخاص لهم سلطة شخصية.

 

لم يقلوا: "أنا قائدكم، فأطيعوني."

ولا: "أنا الحكيم الخبير، فأطيعوني."

 

بل قالوا: "أنا رسول."

وبالتالي: "أطيعوني لأنني أنقل رسالة الله، لا رأيي الخاص."

 

وينطبق هذا نفس المبدأ على النبي محمد.

عندما يقول القرآن "أطيعوا الرسول"، فهو يدعو إلى طاعة الرسالة الإلهية التي يحملها، لا سلوك النبي الشخصي.

 

 

 

٤. الرسول يوصل الرسالة، لكن السلطة بيد المرسل

 

لكي نفهم معنى "الرسول" بشكل أفضل، دعونا نرجع إلى قصة يوسف مع رسول الملك كمثال واضح.

 

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ 12:50

 

هذه الآية تستخدم نفس الكلمات التي تتكرر في القرآن:

 

ملك – يعني الحاكم، والله يُسمى أيضًا ملك في الآية 59:23.

 

رسول –  وهي نفس الكلمة المستخدمة لوصف رسل الله. 

 

يوسف كان يعلم أن رسول الملك ليس له سلطة مستقلة. لذلك أرسله مرة أخرى ليستوضح أمرًا من صاحب القرار الحقيقي:  الملك، صاحب السلطة.

 

والآن قارن هذا مع لغة القرآن الثابتة بخصوص الرسل:

 

الرسول هو من يبلّغ الأمر، بينما الملك هو مصدر الأمر.

 

تمامًا كما فهم يوسف أن الرسالة ليست من الرسول نفسه، يتوقع القرآن منا أن نفهم أن الرسول يُبلّغ الرسالة ولا يتحدث من عند نفسه.

 

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ

إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ

53:3-4

 

 

هذا النمط يظهر في مواضع أخرى أيضاً.

دعونا نلقي نظرة على مثال مهم آخر، حيث يسأل الناس الرسول سؤالاً، ويجيب الله عليهم مباشرةً.

 

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ 2:219

 

لاحظ ما يحدث هنا:

الناس يسألون الرسول،

والإجابة ليست من الرسول نفسه،

بل يأمره الله أن يقول ما أوحى إليه: "قل…"

 

وهذه الصيغة نفسها تتكرر عدة مرات في القرآن (2:222، 2:189، 2:215، 2:217).

 

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

6:114

 

المثال الحقيقي للرسول

 

من أشهر الأدلة التي يستشهد بها كثيرٌ من المسلمين الذين يتبعون ما يُعرف بـ"السُّنَّة"، هي قول الله :

 

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا

( 33:21)

 

ويُفهم من هذه الآية، عند بعضهم، أن على المسلم أن يقلّد النبي في تفاصيل حياته اليومية، من ملبسه ومأكله وهيئته، بل حتى في طريقته في المشي والنوم.

 

لكن، هل هذا هو المعنى الحقيقي للآية؟ وهل يأمرنا الله فعلاً بتقليد العادات الشخصية للنبي؟ أم أن المقصود أعمق من ذلك بكثير؟

 

هل هذه الأسوة خاصة بمحمد عليه السلام؟

لفهم معنى "الأسوة الحسنة"، يجب أن ننظر في استعمال هذا المفهوم في مواضع أخرى من القرآن. فنجد أن الله وصف إبراهيم   ومن معه بهذا الوصف أيضاً:

 

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

( 60:4)

 

في هذه الآية، لا نجد دعوة إلى تقليد مظهر إبراهيم أو عاداته، بل تمجيدًا لموقفه المبدئي، وثباته في الإيمان، ورفضه للباطل.

 

ويُؤكَّد هذا المعنى مرة أخرى في قوله:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ( 60:6)

 

 

حين يأمرنا الله باتباع الرسول ، كما في (33:21)، فذلك ضمن نفس السياق الذي أُمرنا فيه باتباع إبراهيم ومن معه. أي أن:

نثبت على الحق

ندعو إلى التوحيد

نصبر على الأذى

نُخلِص لله

نُقدّم الرسالة على كل شيء


أما التفاصيل اليومية كنوع اللباس أو المأكل أو تصفيف اللحية، فلم تُذكر في القرآن ولم يُؤمر بها.

القرآن يدعو للتفكر، لا للتقليد الأعمى

الله  لم يطلب منا أن نُقلّد شخص النبي في شكله أو عاداته، بل أن نتبع رسالته ومواقفه الإيمانية. فكما كان إبراهيم أسوة، كذلك كان محمد .

 

 

القرآن مفصل ومتكامل

 

يُصرّح القرآن الكريم في مواضع متعددة بأنه كتاب مفصل، واضح في أحكامه، وكاملٌ في تعاليمه. فهذا هو كتاب الله الذي يُبيّن للناس دينهم وهدايتهم، وقد تحدَّث عنه بأنه:

 

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا

(25:1)

 

 

وفي موضع آخر، يبيّن القرآن كماله وعدم نقصان أي شيء فيه:

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

(16:64)

 

وكذلك:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

(5:3)

 

هذه الآيات تؤكد أن الدين كامل، والوحي شاملٌ لكل ما يحتاجه الإنسان من هداية.

 

أما فيما يخص سنة الله  فهي القوانين الثابتة التي تدير الكون وتتحكم في مصير الأمم، ولا تتغير ولا تتبدل، كما قال تعالى:

سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

(48:23)

 

أما دور الرسول ، فهو تبليغ رسالة الله بدون زيادة أو نقصان:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

(24:54)

 

 

وبناءً عليه، إذا كان القرآن كاملاً ومفصلاً، فلماذا يُقال إننا بحاجة إلى مصادر أخرى غيره؟ ألا يجب أن نعود إليه وحده هدىً ومرجعيةً؟ القرآن يدعونا لاستخدام العقل والتدبر، وأكد على كماله وأهميته  .