القرآن: البوصلة الأخلاقية الكاملة
في زماننا هذا، اعتاد كثير من المسلمين أن يبحثوا عن التوجيه في كتب الحديث، فيسألون: كيف كان النبي يتصرّف؟ كيف كان يأكل أو ينام أو يتعامل مع الناس؟ فيقلّبون الروايات والآثار بحثًا عن «القدوة».
لكن يغيب عن كثيرين أن القدوة الكبرى بين أيدينا في كتاب الله نفسه.
أليس الله هو الذي قال:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
16:89
وقال أيضًا:
كِتَـٰبٌۭ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ ٣
41:3
فهل نحتاج إلى مصدر آخر لنفهم الأخلاق والسلوك وقد أودع الله في كتابه كل ما يصلح به الإنسان؟
القرآن لا يترك جانبًا من حياة البشر إلا ووجّههم فيه.
يعلّمنا كيف نتحدث: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»،
وكيف نسير بتواضع: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ»،
وكيف نعفو عن من ظلمنا: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»،
وكيف نحكم بالعدل: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ».
في آياته يتربى القلب على التقوى، وتُهذَّب النفس على الصبر والرحمة والإنصاف. فهو ليس كتاب أحكام فقط، بل منهج حياة يربّي فينا الضمير، ويهدي إلى سواء السبيل.
إذن، ليست المشكلة في قلة التوجيه، بل في قلة الثقة بالكتاب الذي أنزله الله مكتملًا.
ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
5:3
فمن زاد بعد كماله، فقد ظنّ أن كلام الله غير كافٍ، ومن طلب غيره، فقد أعرض عن النور المبين.
فلنرجع إلى القرآن، نقرأه لا لمجرد التلاوة، بل لنهتدي به في القول والعمل، ولنجعل منه مرجعنا الأول في الأخلاق والسلوك.
فهو النور الذي لا يطفأ، والهدى الذي لا يضلّ من تمسك به، والبوصلة التي لا تحيد عن الحق أبدًا.


الأخلاق الشخصية والصدق
لا تكذب / اجتنِب الكلام الكاذب (22:30)
أوفِ بعهودك (5:89)
لا تقول ما لا تفعل (61:2)
أدِّ الأمانات والوعود (23:8)
لا تنفق أموال اليتامى ظلماً (6:152)
احكم بالعدل، حتى لو كان ضد نفسك أو أقاربك (4:135)

اللطف والرحمة والتعاطف
أطعِم الفقراء (22:36)
إن لم تستطع المساعدة، فقل كلامًا طيبًا (17:28)
اغفر للآخرين كما تحب أن يغفر الله لك (24:22)
قابل الشر بالخير (41:34)
كن حسنًا مع الضيوف (51:24)

العدل والمساواة
لا تسيء لمن يعبدون غير الله (6:108)
اعاقب بمقدار ما أذيت أو سامح (16:126)
أصلح بين الناس المتخاصمين (49:9)
احترم عهودك (9:4)
لا تأخذ أموال الآخرين ظلمًا (4:29)


التواضع والاحتشام
لا تتكبّر على الناس (28:76)
وَاخْفِضْ مِن صَوْتِكَ وَتَوَاضَعْ (25:63)
وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ (31:18)
وَلَا تَقُلُوا لِأَنْفُسِكُمْ الطَّهَارَةَ (53:32)
وَاخْفِضْ صَوْتَكَ وَأَقِمِ الْقَوْلَ بِالْقِسْطِ (31:19)

الكلام والتواصل
كلامك يكون لطيفًا حتى مع الناس الجاهلين (25:63)
تحدث بلطف حتى مع من في السلطة (20:44)
لا تسبّ الآخرين (49:11)
لا تتحدث بسوء عن الناس ولا تنقل كلام سيء (49:12، 24:15)
رد التحية بأفضل منها (4:86)
إذا سمعت كلامًا سيئًا عن أحد، قل: «مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَـٰنَكَ هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ عَظِيمٌۭ» (24:16)

المسؤولية الاجتماعية والاحترام
أفسح مكانك للآخرين في الاجتماعات والمجالس (58:11)
حيِّ الناس عند دخولك البيوت (24:27)
الاختلاف في اللون واللغة آية من آيات الله، (49:13)
عامِل جيرانك بلطف وإحسان (4:36)


حياة الأسرة والزواج
لا تكن فظًا مع والديك (17:23)
حاول الصلح بين الزوجين إذا حصل خلاف (4:128)
عِش مع زوجك أو زوجتك بلطف ورحمة (4:19)
إذا اضطررت للطلاق، فافعل ذلك بطريقة حسنة (2:231)
لا تضر المؤمنين بكلامك أو أفعالك (33:58)

المغفرة والسلام والمصالحة
تحكّم في غضبك (3:134)
إذا طلب منك العدو السلام، فارضَ به (8:61)
قابل الشر بالخير (41:34)
صلح بين الناس المتخاصمين (49:9)

الاعتدال والتوازن والمسؤولية
لا تُبذر (17:26)
لا تبخل ولا تُسرف (25:67)
لا تذكّر الناس بفضلك عليهم (2:264)
لا تأمر بالخير وتنسى نفسك (2:44)

القرآن يهدينا
القرآن الكريم هو المنهاج الكامل، المفصل، والكافي لهداية الإنسان وسلوكه.
يعلّم المؤمنين كل ما يحتاجون إليه من القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية ليحيوا حياة طيبة قائمة على التقوى والعدل والإحسان.
الاعتماد على الحديث لتحديد الأخلاق والسلوك يعني ضمنًا أن كتاب الله غير كافٍ، بينما يقول الله بوضوح:
أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلًۭا ۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٌۭ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
6:114
لم يأتِ النبي بأخلاق جديدة، بل جسّد ما أنزله الله عليه.
القرآن يمنحنا بوصلةً أخلاقيةً تهدي المجتمع، وتفتح للنفس طريق الطمأنينة والسلام.
فما علينا إلا أن نعود إليه، نقرأه بتدبر، ونتأمل معانيه، وندع كلماته تنقّي قلوبنا وتشكل سلوكنا، حتى يكون القرآن هو النور الذي نهتدي به في حياتنا كلها.
